24/7 HOTLINE +961 3 387955

E-engineering

Dr Charbel Kareh (Arabic)
sport

حماية الملكية الهندسية

   
بقلم المحامي الدكتور
 شربل وجدي القارح
 

 

 

 

 

 

تشكّل الخرائط، التصاميم والمخطّطات الهندسية اعمدة الأساس لأي بناء يراد تشييده، فهل هي خاضعة كملكية فكرية لحماية قانونية معيّنة؟ ان المهندس الذي يقوم بعمل فكري هندسي، ابداعي ومبتكر، انما يطبع العمل بطابع شخصيته، لذا يكون له الحق بحماية ملكيته الفكرية على الخرائط والرسوم وغيرها من المصنفات المحمية قانوناً. في هذه الحالة، ايحق لصاحب العلاقة اعادة انتاج او استعمال هذه الأعمال الهندسية، دون الرجوع الى المهندس؟ وما هو الوضع اليوم مع دخول تكنولوجيا المعلومات والبرامج الهندسية على مهنة الهندسة بشكل مباشر؟ وهل يمكن الحديث عن عمل هندسي ينم عن شخصية المهندس في الأعمال المنتجة ولو جزئياً بواسطة او بمساعدة الآلة ؟

 

 

اولاً: الإطار التشريعي لحماية الأعمال الهندسية

 

تنص المادة الثانية من قانون حماية الملكية الأدبية والفنية اللبناني رقم 75/99، على حماية جميع انتاجات العقل البشري سواء كانت كتابية او تصويرية او نحتية او خطية او شفهية مهما كانت قيمتها واهميتها وغايتها ومهما كانت طريقة او شكل التعبير عنها... وتعتبر الرسوم والصور المختصة بفن العمارة والخرائط والتصاميم والمخططات والمجسّمات الجغرافية والطوبوغرافية والهندسية والعلمية مشمولة بالحماية.

 

ان الشرط الأساسي لحماية الأعمال الهندسية على انواعها، هو الإبتكار. بالنسبة للأستاذة غرونيه، تكون الأعمال الهندسية مبتكرة عندما تتأتى من عمل متجسد مادياً ومستقل للفرد[1]... اما، في حال اتى العمل الهندسي نتيجة عقد عمل مع صاحب العمل، فتكون في هذه الحالة كافة الأعمال الهندسية المنشأة تحت اطار عقد العمل ملكاً لصاحب العمل.

 

وقد نصت المادة الثامنة من قانون حماية الملكية الأدبية والفنية اللبناني رقم 75/99 انه في حالة الأعمال المبتكرة من قبل اشخاص طبيعيين عاملين لدى شخص طبيعي او معنوي بموجب عقد عمل بمعرض قيامهم بإلتزاماتهم الوظيفية او المهنية، يعتبر رب العمل او المستخدِم صاحب حق المؤلف ويمارس الحقوق المنصوص عليها في المادة 15 من هذا القانون ما لم يكن هناك اتفاق خطي مخالف. اذاً، يكون على المهندسين المرتبطين بعقد عمل مع صاحب عمل او شركة هندسة معيّنة، واجب التنبه الى ضرورة لحظ بند تعاقدي مفاده الإحتفاظ بحقوق الملكية الهندسية على اعمالهم وخرائطهم وتصميماتهم، كي يتمكنوا من استثمار اعمالهم هذه في المستقبل، طالما ان نص المادة المذكورة اعلاه قد لحظ امكانية مخالفة المبدأ العام بإتفاق بين صاحب العمل والمهندس الأجير.

 

وتجدر الإشارة الى ان الأعمال الهندسية المذكورة في المادة الثانية من قانون حماية الملكية الأدبية والفنية رقم 75/99، تكون محمية دون شرط ان يكون مؤلفها مهندساً. فنص المادة جاء مطلقاً، عاطياً المؤلف حقوق التأليف على مصنفاته الهندسية بمجرد توافر فيها معيار الإبتكار. كما ان اعمال المهندس المجاز او المرخّص او المنتسب الى نقابة المهندسين، ليست بالضرورة محمية بموجب قانون حماية الملكية الفكرية طالما لا يتوافر فيها شرط الإبتكار.

 

ان كافة الأعمال الهندسية التي تفتقد الى الإبتكار، انما لا تعطي مؤلفها الحقوق المنصوص عليها قانوناً، ويصار في هذه الحالة، الى اللجوء لنصوص المسؤولية المدنية العامة من اجل ملاحقة اي تعدي او استعمال غير مرخّص للخرائط والتصميمات والمخططات. ان معيار الإبتكار الذي يضفي على الأعمال الهندسية صفة المصنفات الفكرية المحمية، هو معيار خاضع لسلطة قضاة الأساس، الذين لهم سلطة التقدير المطلق في مدى تميّز العمل ومدى فنيّته وانطباعه بطابع شخصية واضعه.

 

 

مصوّر متوافر عبر الشبكة[2]

 

 

وقد عرض على القضاء الفرنسي العديد من الدعاوى المتصلة بحماية الملكية الهندسية، ومن هذه القرارات، نذكر قرار محكمة استئناف ريوم الفرنسية الذي اعتبر ان شرط حماية الأعمال الهندسية يفترض وجود طابع فني جدي واكيد بشكل لا تكون تابعة لنمط او لسلسلة معيّنة[3]. كما اعتبرت محكمة التمييز الفرنسية ان الهندسة موضوع الدعوى ليست محمية بموجب قانون حق المؤلف، بسبب تفاهة الخرائط والتصميمات الهندسية[4].

 

 

ثانياً: الملكية الهندسية والملكية المادية

 

ان تكليف مهندس للقيام بالدراسات اللازمة ووضع الخرائط من اجل الإستحصال على الرخص الآيلة الى تشييد بناء معدّ للإفراز، انما يستتبع التفريق بين ملكيتين. فصاحب العقار المنوي تشييد البناء عليه، يستلم من المهندس المكلّف، مقابل تسديده لأتعاب الهندسة، كافة الخرائط والدراسات والتصاميم والأوراق العائدة لعقاره. ويكون له بالتالي ملكية مادية او ملكية استعمال وفقاً للغاية المرجوة على هذه الأوراق، بحيث يستطيع ان يستعملها لإنجاز كافة معاملاته لدى المراجع العقارية والإدارية والتنظيمية والقضائية، دون ان يكون له على هذه الأعمال الهندسية ملكية فكرية.

 

اما المهندس الذي يزاول مهنة حرة مستقلة، والغير مرتبط بعقد عمل مع شركة هندسة، يكون له على كافة الأعمال الهندسية القابلة للحماية، ملكية فكرية هندسية ويمارس عليها حقوق التأليف. وفي الحالات التي يقوم فيها المهندس بتجسيد افكار مالك العقار ضمن خرائط ومخططات وتصاميم، انما يحتفظ ايضاً بحقوق التأليف على هذه الأعمال، اذ ان الأفكار بحدّ ذاتها غير مشمولة بالحماية طالما لم تخرج للعيان بشكل مادي مبتكر.

 

في الواقع، ان استعمال الأعمال الهندسية من قبل زبائن المهندس، يجب ان يتم وفقاً للغاية الموضوعة هذه الأعمال من اجلها، اي من اجل انشاء بناء محدد الأوصاف والتصاميم وعلى عقار موصوف. مما يفضي الى الإعتبار انه يمنع على الزبون ان يستعمل هذه الأعمال الهندسية من خرائط وتصاميم ومخططات الخ... على انواعها، من اجل تشييد بناء اخر او من اجل عقار اخر او من اجل اعادة انتاج او التعديل او الإضافة على الخرائط، طالما لم يحِز هذا الزبون على موافقة المهندس المسبقة على هكذا تعدّي على الملكية الفكرية الهندسية، كونه صاحب حق المؤلف عليها.

 

 

مصوّر متوافر عبر الشبكة[5]

 

 

فالمهندس الذي ينظم الخرائط، التصاميم والمخططات، انما يكون له الحق في استثمارها، ومنع اعادة انتاجها، بيعها او استثمارها في المكان الذي تطبق عليه نطاق الحماية القانونية. كما يكون للمهندس الحق في اعطاء تراخيص استعمال مصمماته وخرائطه الهندسية مقابل بدل معيّن ولمدة محددة.

 

ويوجد العديد من الدعاوى المفصولة من قبل القضاء الفرنسي، والمتضمنة التعرّض لحق المهندسين على اعمالهم الفكرية الهندسية. ابرزها مداعاة مهندسين لمصوّر بسبب تصويره لبناء، لهم حق الملكية الهندسية عليه، واقدامه على بيع صوره وعرضها ضمن مجلدات وصحف متخصصة. كما نشير الى نزاعات قضائية اخرى، الزم فيها القضاء مصوّر فوتوغرافي، بدفع بدلات حقوق التأليف على هندسة معمارية معيّنة.

 

ان توقيع المهندس على خرائط بناء لا يفيد حكماً ملكيته لهذه الخرائط، فالتوقيع ليس شرطاً لإكتساب الملكية الهندسية على الخرائط والتصميمات والمخططات. قد يكون توقيع وختم مهندس مسجّل في نقابة المهندسين ضرورياً، من اجل مراعاة الشروط القانونية الصالحة التطبيق على اعطاء تراخيص البناء، لكنه ليس شرطاً للحماية الفكرية الهندسية، التي كما اسلفنا لا تُكْتَسَبْ الا بالإبتكار المستقل الذي يطبع العمل بطابع شخصية المهندس او المؤلف.

 

 

ثالثاً: الأعمال الهندسية المبتكرة بمساعدة الآلة

 

يتميز القرن الواحد والعشرين بإدخاله البرامج المعلوماتية والتطبيقات البرمجية الهندسية على الحواسيب الآلية، بشكل كبير، مما نقل مهنة الهندسة نقلة نوعية. بفضل البرامج الهندسية المتخصصة، اصبح رسم الخرائط والتطبيقات، اجراء الحسابات الهندسية وتحديد كمية المواد المستعملة مسألة بغاية السهولة والدقة. لكن يبقى من الضروري التنبه الى ان الآلة لا تَسْتَبْدِل الإنسان.

 

  ان ابرز ما انتجه التطوّر التكنولوجي هو تسهيل عمل المهندس عبر تطبيقات برمجية معلوماتية. فبدل الرسم اليدوي، الحسابات الإنسانية للمقاييس والمقيالات، التي كان على المهندس القيام بها فكرياً وشخصياً... ادى ابتكار برنامج الحاسب الآلي المتخصص بالهندسة الى تنفيذ كافة هذه الوظائف الكترونياً، لكن ليس آلياً دون تدخل المهندس نفسه. اذ يكون على المهندس واجب ادخال البيانات الى البرنامج بغية الحصول على الحسابات الآلية، وادخال فكرته الهندسية الى البرنامج مقابل الحصول على مشروع ثلاثي الأبعاد...

 

في الواقع، لكل قطعة ارض خصائصها الجغرافية والطبيعية، تضرساتها ارتفاعاتها وانخفاساتها، لذلك يكون من المستحيل على البرنامج الهندسي، مهما كان متخصصاً، انتاج الخرائط والتصاميم للبناء بمعزل عن تدخل انساني. لذا يكون على المهندس واجب وضع الفكرة، احترام هندسة كل بلد التي لا يمكن ان يعرفها البرنامج، ومراعاة ثقافة البلد وارثه المعماري عند وضع كافة الأعمال الهندسية.

 

اذاً، ان استعمال الآلة او البرامج المعلوماتية في الأعمال الهندسية تسهل عمل المهندس اليوم عبر الحسابات للمواد المستعملة والرسوم الدقيقة للزوايا والتصاميم مما يؤدي الى سرعة، دقة وتوفير للوقت فضلاً عن ترتيب نموذجي للمفات الهندسية المبتكرة.

 

تأسيساً على كل ما تقدّم، يبدو واضحاً جلياً، ان الآلة تساعد المهندس لكن لا تحّل مكانه؛ ومن هنا يبقى الإبتكار للشخص الطبيعي مهندساً كان ام شخصاً عادياً. ان البرنامج المعلوماتي لا يقدّم للإنسان سوى الأعمال التقنية البحتة التي لا يمكن ان تنطبع بطابع شخصاني، اذ ان البرنامج المعلوماتي ليس في النهاية سوى آلة حاسبة، لا تجيد سوى تحليل الأرقام وتجسيدها الى اشكال ثلاثية الأبعاد. فيبقى على المهندس ان يضيف طابعه ونفحته الشخصية، عبر زوق هندسي، نظرة فنيّة، وفكرة مبتكرة يجسدّها بمساعة الآلة، منتجاً بالتالي العمل الهندسي المبتكر وفقاً لمفهوم قانون حماية الملكية الأدبية والفنية.

 

كما لا بد من الإشارة الى وجود برامج معلوماتية تعطي خرائط وتصاميم كاملة، بحيث لا يكون على المهندس سوى طباعتها واعتمادها، وهذه هي حالة البرامج التي تحوي مكتبات “ Libraries “ معدّة سلفاً. ففي هذه الحالات، لا يمكن الحديث عن ملكية هندسية للمهندس، الذي وقّع على الأعمال الهندسية، ويمنع عليه نسب ملكيته الهندسية على هذه الخرائط، التصاميم والمخططات.

 

 

مصوّر متوافر عبر الشبكة يظهر مدى تشعّب الكتابة المعلوماتية[6]

 

في النتيجة، من اجل تحديد صاحب حقوق التأليف على الأعمال الهندسية المبتكرة بمساعدة الآلة، يكون من الضروري تحديد نسبة مشاركة كل من الآلة والمهندس او المؤلف في العمل الهندسي النهائي، سواء اكان رسماً، خريطة، تصميماً او غيرها. فإذا تبيّن ان طابع شخصية المؤلف يشكّل اضافة كبيرة بشكل يطغى على الإضافة التي ادخلتها الآلة او البرنامج المعلوماتي، يكون العمل الهندسي من حق هذا المؤلف. فمساعدة الآلة تقتصر، في اغلب البرامج المعلوماتية الهندسية، على حساب الأرقام المدخلة من قبل المؤلف وتجسيد هذه الحسابات الى اشكال ثلاثية الأبعاد... في هذه الحالة، لا تطبع الآلة العمل الهندسي بطابعها الشخصي المفضي الى الإبتكار، اذ ان كافة الأرقام والحسابات هي مدخّلة من قبل المؤلف الشخص الطبيعي بذاته. كما ان الأفكار الجديدة المتجسّدة مادياً، المتميّزة والمنطبعة بشخصية مؤلفها، وبطريقة مقاربته للنتائج، وبإستعماله لكافة المساحات مهما كان وضعها، انما تشكّل العناصر الأهم في العمل الهندسي، وتؤدي الى الإبتكار في المصنف الفكري الهندسي؛ وهو أمر كافٍ بحدّ ذاته لنسبة العمل لمؤلفه او لمهندسه في حال كان مهندساً، وبالتالي لإخضاعه للحماية المنصوص عليها في قانون حماية الملكية الأدبية والفنية اللبناني رقم 75/99.

 


[1] - Information disponible à partir du site: http://gpp.oiq.qc.ca/24_propriete_intellectuelle.pdf.

[2] - http://www.google.com/imgres?start=156&hl=en&lr=&tbo=d&sout=0&tbm=isch&tbnid=hqOLFkfWDFhHOM:&imgrefurl=http://www.imaginationstationtoledo.org/content/2011/12/national-engineers-week-2012/engineer-icon/&docid=4_cFWxeN1oEmoM&imgurl=http://www.imaginationstationtoledo.org/content/wp-content/uploads/2011/12/engineer-icon.jpg&w=300&h=300&ei=M_D-UJi3FsOQhQeT8oHoDw&zoom=1&iact=hc&vpx=307&vpy=149&dur=1231&hovh=225&hovw=225&tx=117&ty=99&sig=106698356976246634830&page=9&tbnh=140&tbnw=140&ndsp=22&ved=1t:429,r:58,s:100,i:178&biw=1024&bih=578.

[3] - Cour d'Appel de Riom, 26 mai 1967. Cité par Christophe Caron, Droit d'auteur et droits voisins, Paris, Litec, 2006, p. 124.

[4] - Cour de Cassation, 1re chambre civile, 5 juillet 2006. Cité par Pierre-Yves Gautier, Propriété littéraire et artistique, Paris, Presses Universitaires de France, coll. « Classiques », 2010, p. 121, note 3.

[5] - http://www.google.com/imgres?start=312&hl=en&lr=&tbo=d&biw=1024&bih=578&sout=0&tbm=isch&tbnid=-FH00Xn1W2kvHM:&imgrefurl=http://midstockclipart.com/design/clip-art-of-3d-blue-engineer-and-customer-men-fighting-over-money-by-leo-blanchette-14865&docid=1vtbt2iqh0djoM&imgurl=http://midstockclipart.com/1024/clip-art-of-3d-blue-engineer-and-customer-men-fighting-over-money-by-leo-blanchette-14865.jpg&w=1024&h=1044&ei=bvH-UOqdPJCZhQeY1oDYDg&zoom=1&iact=rc&dur=6&sig=106698356976246634830&page=16&tbnh=148&tbnw=144&ndsp=22&ved=1t:429,r:33,s:300,i:103&tx=60&ty=105.

[6] - http://www.google.com/imgres?start=268&hl=en&lr=&tbo=d&sout=0&tbm=isch&tbnid=sRcpUZS-dWJ4mM:&imgrefurl=http://www.nobodygoeshere.com/tag/engineer/&docid=j4FbINuFHq4QiM&imgurl=http://www.nobodygoeshere.com/wp-content/uploads/2012/03/Engineer.jpg&w=900&h=684&ei=lfD-UJTCGcLDhAefgoH4Bg&zoom=1&iact=hc&vpx=511&vpy=195&dur=1651&hovh=196&hovw=258&tx=106&ty=91&sig=106698356976246634830&page=14&tbnh=145&tbnw=191&ndsp=23&ved=1t:429,r:76,s:200,i:232&biw=1024&bih=578.