24/7 HOTLINE +961 3 387955

Bitcoins

Dr Charbel Kareh / Arabic
sport

النقود الالكترونية المشفّرة

BitCoins

   
بقلم المحامي الدكتور
 شربل وجدي القارح

 

 

 

 

 

تعتبر عملة البيتكوين BitCoin  او النقود الالكترونية المشفرة، العملة المنتظرة او التي ستغير العالم المصرفي، فهي ليست بحاجة الى اي وسيط مصرفي، يتم التداول بها مباشرة بين الافراد مباشرة بشكل آمن ومشفّر. وقد شهدت هذه العملة تهاتفاً كبيراً نظراً للارباح السريعة التي حققتها. سنعالج فيما يلي النقود الالكترونية المشفّرة « بيتكوين » BitCoin، طابعها القانوني ومستقبل هذه العملة المميّزة.

 

 

اولاً: ماهية النقود الالكترونية المشفّرة « بيتكوين »

 

كان اول من اطلق فكرة عملة البيتكوين للمرة الاولى السيد ساتوشي وذلك في ورقة بحثية في العام 2008، ووصفها بأنها نظام نقدي إلكتروني يعتمد في التعاملات المالية على مبدأ« الندّ للندّ» بالإنجليزية(Peer-to-Peer) ، وهو مصطلح تقني يعني التعامل المباشر بين مستخدم وآخر دون وجود وسيط. إن الهدف من هذه العملة التي طرحت للتداول للمرة الأولى سنة 2009 هو تغيير الاقتصاد العالمي بنفس الطريقة التي غيرت بها الويب أساليب النشر.

 

 

تغريدة الرئيس الاميركي داعماً فكرة بيتكوين[1]

 

تتميز عملة البيتكوين بكونها عملة رقمية ذات مجهولية او غفلية، حيث أن عملية التحويل عبرها يتطلب فقط معرفة رقم محفظة الشخص المحوّل إليه ويتم تخزين عملية التحويل في سلسلة كتل او عِقَد (BlockChain)  برقم تسلسلي خاص ولا يتضمن اسم المرسل او المتلقي او اي بيانات اخرى خاصة بهما، مما يجعل منها فكرة رائجة لدى كل من المدافعين عن الخصوصية، أو بائعي البضائع غير المشروعة عبر الإنترنت على حد سواء (مثل المخدرات)[2]. 

 

تقوم عملة البيتكوين على المعاملات المالية وتستخدم شبكة  « الندّ للندّ » (Peer-to-Peerوالتوقيع الإلكتروني والتشفير بين شخصين مباشرة دون وجود هيئة وسيطة تنظم هذه التعاملات، حيث تذهب النقود من حساب مستخدم إلى آخر بشكل فوري ودون وجود أي رسوم تحويل (باستثناء رسوم الشبكة)، ودون المرور عبر أي مصرف أو أي جهات وسيطة من أي نوع كان. تتوفر العملة على مستوى العالم ولا تحتاج لمتطلبات أو أشياء معقدة لاستخدامها. عند الحصول على العملة يتم تخزينها في محفظة الكترونية. ومن الممكن استخدام هذه العملة في أشياء كثيرة منها شراء الكتب والهدايا أو الأشياء المتاح شرائها عن طريق الانترنت وتحويلها لعملات أخرى مثل الدولار أو اليورو[3]. تستهلك عملية التنقيب واستخراج عملة البيتكوين كميات هائلة من الطاقة الكهربائية، لذلك لجأ البعض الى وضع ملقماتهم في بلدان مثل ايسلندا، حيث كلفة الطاقة الكهربائية متدنية، والتيبت، كيبيك واستراليا.

 

إن عملة البيتكوين اليوم هي مدعومة من مجموعة متزايدة من المواقع، من بينها شركات ومواقع كبيرة ومتنوعة، مثل مواقع بيع خدمات الاستضافة (Hosting) وحجز أسماء النطاق (Domain names) والشبكات الاجتماعية ومواقع الفيديو والموسيقى والمواقع المتنوعة التي تبيع مختلف أنواع المنتجات على الشبكة. بالإضافة إلى شراء المنتجات، يستطيع المستخدم تبديل عملة البيتكوين الموجودة لديه بعملات أخرى حقيقية. تتم عملية التبديل هذه بين المستخدمين أنفسهم الراغبين ببيع البيتكوين وشراء عملات حقيقية مقابلها أو بالعكس. ونتيجةً لذلك تمتلك البيتكوين سعر صرف خاص بها، ويتجه هذا السعر إلى تصاعد، إذ يصل اليوم إلى 20000 دولار بعد أن كانت تعادل بضعة دولارات فقط قبل بضعة سنوات.

 

ان عملة البيتكوين ليست العملة الافتراضية الوحيدة المتواجدة حالياً في الأسواق الالكترونية. فقد برزت بفضل نجاحات البيتكوين، مجموعة متنوعة سميت ب « Altcoins » أو العملات الافتراضية البديلة ذات القيمة الجيدة في الأسواق. ومن العملات الرقمية البديلة، نذكر: لايتكوين (LiteCoin)  التي تستند على بروتوكول بيتكوين؛ ودوجيكوين (DogyCoin)  وتعني عملة « الكلب الإلكترونية » ومن أهم ميزاتها سرعة انتاج العملة؛ نوفاكوين (NovaCoin)  وهي عملة تتميز بكونها تدمج برامج الحماية داخل نواة العملة؛ نيمكوين (NimeCoin) وهي عملة تهدف الى عدم الخضوع الى الرقابة الحكومية؛ بيركوين (Bircoin) هي عملة تتميز في تحسين الأمن والضمانات وتعتبر الرابعة بين العملات الافتراضية البديلة؛ فزركوين  (FeatherCoin) هي أيضاً عملة تقوم بضبط صعوبة التنقيب في كثير من الأحيان، ويتم تحديثها بانتظام لدمج الميزات والتحسينات الجديدة.

 

 

 

آلية عمل البيتكوين[4]

 

على المستوى الاعتراف الدولي، تعد ألمانيا الدولة الوحيدة التي اعترفت رسمياً بعملة البيتكوين واعتبرتها نوعاً من النقود الإلكترونية، على اعتبار أنها تستطيع فرض الضريبة على الأرباح التي تحققها الشركات التي تتعامل بـالبيتكوين، في حين تبقى المعاملات المالية الفردية معفية من الضرائب. وكان قاضٍ فدرالي في الولايات المتحدة، قد قضى مؤخراً بأن البيتكوين هي عملة ونوع من أنواع النقود، ويمكن أن تخضع للتنظيم الحكومي، في حين ان الولايات المتحدة لم تعترف بالعملة رسمياً بعد. ويرى البعض أن الاعتراف الرسمي يحمل جانباً إيجابياً، وهو إعطاء العملة المزيد من الشرعية، في حين يرى آخرون أن هذا قد يفتح الباب إلى مزيد من تنظيم العملة ويخضها لرقابة الحكومات، وهذا يتعارض مع إحدى ميزات بيتكوين كعملة غير خاضعة لأي رقابة[5].

 

 

ثانياً: الاطار القانوني لعملة البيتكوين

 

تتميز عملة البيتكوين بكونها ذات طبيعة لامركزية، وبالتالي يكون صعباً على كل دولة فرض رقابتها عليها فضلاً عن ان امكانية اغلاق شبكة هذه العملة، هو صعباً جداً. ولكونها عملة عالمية، تختلف الطبيعة القانونية لعملة البيتكوين من بلد الى آخر، وهي تبقى في مطلق الاحوال ذات طبيعة قانونية غير محددة المعايير لغاية تاريخه؛ حيث ان بعض البلدان قد اعترفت بها رسيماً واجازت التداول بها، بيد ان البعض الآخر قد منعت استعمالها كما منعت استعمال انظمة التشفير المماثلة.

 

ان استعمال عملة البيتكوين من قبل المجرمين، قد اجبر اجهزة الرقابة، السلطات التشريعية، القوى الامنية ووسائل الاعلام على اخذ نشاطات هذه العملة على محمل الجدّ. لذلك، اقدم جهاز الاف بي اي الاميركي على انشاء قسم مخابراتي خاص بمراقبة تحركات المجرمين الذين يستعملون عملة البيتكوين، حيث قام بنشر عدد من التنبيهات المتعلقة بالاستثمارات بعملة البيتكوين، كذلك فعل المجلس النيابي الامريكي حيث خصص جلسة لمناقشة العملات الافتراضية البديلة وآثارها المحتملة على الاقتصاد.

 

في الواقع، كثيرة هي العمليات الشرائية المنفذة بواسطة عملة البيتكوين والواقعة على مشتريات ممنوعة قانوناً، وقد اظهرت دراسة قامت بها جامعة كنتاكي الاميركية، ان هناك رابط وثيق بين برمجة عملة البيتكوين المشفرة وبين النشاط غير القانوني، ومصالح المجرمين المباشرة في عملة البيتكوين.

 

اما في لبنان، فقد اعتبر حاكم مصرف لبنان ان البيتكوين ليست عملة بل سلعة ذات سعر متزايد. ولهذا السبب قام مصرف لبنان بمنع التداول بالبتكوين في الاسواق اللبنانية. وفي التفاصيل، كان حاكم مصرف لبنان رياض سلامه قد اعتبر ان العملة المشفرة هي عملة غير مقوننة، مضيفاً ان التكنولوجيا تشكل تهديداً لانظمة الدفع الحالية المعمول بها، معبراً عن موقفه الهازئ من فكرة ان تصبح العملة رقمية؛ مؤكداً على اهمية الدور الذي يجب ان يقوم به مصرف لبنان على مستوى الجهوزية والتحضيرات اللازمة، قبيل ادخال العملة الالكترونية حيز التطبيق من اجل بناء نظام محمي من الجريمة الالكترونية، كون مستقبل هذا النوع من التعامل الالكتروني لا مفرّ منه في المستقبل[6].

 

من اجل دراسة الاطار القانوني لعملة البيتكوين، يمكننا مقارنتها بالسلعة الخاضعة لمبدأ المقايضة، كالذهب مثلاً او الفضة. فهي اذاً عبارة عن مؤشر في العالم الالكتروني، خاضع للارتفاع او للانخفاض. وهو نظام رائج ومرغوب به، سيما كونه يعفي العميل من العمولات على الشبكة كما ومن الضرائب على انواعها، خاصة تلك المفروضة على العمليات المصرفية وعلى التحاويل. في الواقع، ان الاستغناء عن المصرف، كوسيط حكمي لا مفر من المرور منه، انما يعود بالمنافع الكثيرة على مستخدمي هذه العملة الالكترونية المشفّرة.

 

بيد ان معارضي عملة البيتكوين، يتمسكون بفكرة ان اكثرية العمليات الشرائية على الشبكة التي تتم بواسطة هذه العملة انما تكون واقعة على مشتريات غير مشروعة او ممنوعة على شبكة الانترنت، كون عملية الدفع تتم بغفلية تامة.

 

اما على مستوى التشريعات التي تعالج عملة البيتكوين، فهي نادرة جداً كون العالم اليوم بحالة ترقب وانتظار، عما اذا كانت هذه العملة ستترك مضاعفات على الاسواق المالية الحالية. فالإتحاد الاوروبي مثلاً، لم يقر تشريعاً خاصاً بعملة البيتكوين ولم يعتبرها عملة بعد، بيد انه اعتبر ان عمليات التحاويل بين عملة البيتكوين والعملة النقدية، غير خاضعة للضريبة على القيمة المضافة. وهذا ما اكدته ايضاً المحكمة الاتحادية الاوروبية، حيث اعتبرت ان عملة البيتكوين هي بمثابة سلعة وليست عملة بالمعنى القانوني للكلمة، وبالتالي غير خاضعة للضريبة على القيمة المضافة كسلعة، كونها معتبرة كوسيلة ابراء او دفع عن طريق المقايضة[7].

 

 

مصور متوافر على الشبكة[8]

 

اما بالنسبة للمصرف المركزي الاوروبي، فإن الاحكام القانونية التي ترعى عمل القطاع المصرفي والمالي، هي غير صالحة التطبيق على عملة البيتكوين، كونها لا تجمع لاعبين ماليين تقليديين كالمصارف مثلاً. وقد شبّه المصرف المركزي الاوروبي عملة البيتكوين بكونها عملة افتراضية لامركزية قابلة للتحويل (Convertible Decentralized Virtual Currency)[9].

 

وتواجه اليوم اغلبية البلدان عملة البيتكوين بحذر شديد، وقد اعتبرها البرلمان الاوروبي[10] كما ومجموع الدول السبع[11] بكونها احدى الوسائل التي يمكنها اخفاء عمليات تبييض اموال على مستوى واسع مع امكانية كبيرة في التهرب من الضريبة، اضافة الى النشاطات المشبوهة من دون ادنى شك.

 

 

ثالثاً: مستقبل العملة الرقمية المشفّرة

 

ان التحدّي الاكبر بالنسبة لمستقبل عملة البيتكوين يرتكز بشكل رئيسي على ثلاثة عوامل اساسية وهي: استعمالها من قبل عدد كبير من مستعملي الشبكة، الاعتراف بها من قبل السلطات المحليّة والدولية؛ كما واقرار تشريعات خاصة تحدد اطارها العام وضوابطها.

 

بالنسبة للعامل الاول المتعلق ببروزها واستعمالها بشكل كبير، فهو شرط مرن ومتقلب، مرتبط بشكل مباشر باللاعبين الاساسين على الشبكة من تجار الكترونيين، جهات مصادقة وغيرهم. فهذه المواقع الالكترونية هي التي ستفتح نوافذ جيدة لهذه العملة المشفّرة، وهي التي ستُجبِر عملاؤها بإستعمال عملة البيتكوين والتعامل بها، ما سيؤدي الى بروز سوق جديد يكون فيه الوسطاء التقليديون من مصارف وغيرهم خارج اللعبة.

 

 

مصور يظهر مدى المام المستعملين بعملة البيتكوين[12]

 

 

على مستوى الاعتراف المحلي والدولي، فهو معيار متعلق بالسياسة المالية لكل بلد، كما ومتعلق بالقواعد التي سيضعها كل بلد من اجل اطلاق الاستثمارات والحريات الاقتصادية والتجارية الالكترونية فيه. كالإعتراف بعملة البيتكيون مثلاً مقابل اخضاع التجار الالكترونيين المتعاملين بهذا النوع من العملات لضرائب معينة، وغيرها من الاغراءات التي تحمل في طياتها تنظيماً معيناً. بيد انه يبقى الاعتراف الدولي للعملة الالكترونية المشفّرة، العامل الجوهري والاساسي الذي يقف عليه قبولها في الاسواق الداخلية بشكل عام.

 

اما بالنسبة للتشريعات المتعلقة بالعملة الالكترونية المشفرة، فهي برأينا سابقة لأوانها، اذ هي بحاجة الى فترة زمنية معينة تستطيع فيها ان تثبت نجاحها او فشلها، بيد ان اي نص تشريعي سابق لتجربة البيتكوين بكافة جوانبها واوجهها، انما سيكون في غير محله الواقعي والقانوني الصحيحين، اذ ان التشريع غالباً ما يأتي نتيجة لواقع او وقائع معينة قابلة للتنظيم وفق لشروط وزمان ومكان محددين.

 

في الختام، يبدو واضحاً ان لبنان، اعتمد نهج الانتظار والترقب عما ستسفر اليه تجربات البلدان الكبرى، لاسيما منها الولايات المتحدة الاميركية التي تارة تدعم عملة البيتكوين وطوراً تحذّر منها ومن مخاطرها، كما والإتحاد الاوروبي الذي يراقب بتأن ودقة حركتها اليومية، كما ونشاطات المتعاملين بها على مستوى واسع. وما عام 2018 الا فترة سماح جديدة لهذه العملة الالكترونية المشفرة الحديثة كي تثبت نفسها على التعامل، فإما القبول بها والدخول في معترك تنظيمها وضبط حدودها واما اهمالها وتركها محاولة فريدة شاذة عن « العادة المألوفة »، تتأرجح ربحاً او خسارةً على شبكة حيادية المسار ومفتوحة الابعاد.

 

 


[1] - https://bit-media.org/news/breaking-news-donald-trump-tweets-i-am-satoshi-nakamoto/.

[2] - سلسلة الكتل أو بلوك تشين — بالإنجليزية  block chain — هي قاعدة بيانات موزعة تمتاز بقدرتها على إدارة قائمة متزايدة باستمرار من السجلات المسماة كتل. تحتوي كل كتلة على الطابع الزمني ورابط إلى الكتلة السابقة. صُممت سلسلة الكتل بحيث يمكنها المحافظة على البيانات المخزنة ضمنها والحؤول دون تعديلها، أي أنه عندما تخزن معلومة ما في سلسلة الكتلة لا يمكن لاحقاً القيام بتعديل هذه المعلومة. لمزيد من المعلومات راجع الرابط التالي: https://www.economist.com/news/briefing/21677228-technology-behind-bitcoin-lets-people-who-do-not-know-or-trust-each-other-build-dependable.

[3] - لمزيد من المعلومات، راجع الرابط التالي: https://blockchainheart.com/%D8%A8%D8%AA%D9%83%D9%88%D9%8A%D9%86/.

[4] - http://min-yoongi.tk/joluz/how-bitcoin-escrow-works-3077.php.

[5][5] - For more info: https://www.coindesk.com/us-judge-bitcoin-money-coin-mx/.

[6] - لمزيد من المعلومات، راجع الرابط التالي: https://www.coindesk.com/banque-du-liban-digital-currency/

[7] - قرار متوافر على الرابط التالي: https://curia.europa.eu/jcms/upload/docs/application/pdf/2015-10/cp150128en.pdf

[8] - https://www.quora.com/Is-there-any-way-to-quantifiably-prove-that-Bitcoin-can-bring-people-out-of-poverty-in-developing-countries-Or-how-would-one-go-about-proving-predicting-it.

[9] - لمزيد من المعلومات، راجع الرابط التالي: http://www.ecb.europa.eu/pub/pdf/other/virtualcurrencyschemes201210en.pdf

[10] - لمزيد من المعلومات، راجع الرابط التالي: http://www.europarl.europa.eu/news/en/press-room/20160524IPR28821/meps-call-for-virtual-currency-watchdog-to-combat-money-laundering-and-terrorism

[11] - لمزيد من المعلومات، راجع الرابط التالي: http://www.fatf-gafi.org/media/fatf/documents/recommendations/Guidance-RBA-NPPS.pdf.

[12] - https://decentralize.today/5-benefits-of-cryptocurrency-a-new-economy-for-the-future-925747434103.