24/7 HOTLINE +961 3 387955

Mutual Funds Right to Exclusion Verdict Commentary

Dr Charbel Kareh / Arabic
sport

تعليق على الحكم الصادر عن القاضي المنفرد المدني في كسروان الناظر في القضايا المالية

رقم الأساس 385/2008  -  رقم القرار 211/2008

 

 

بقلم المحامي د. شربل القارح


 

هل يمكن ان يكون الصندوق التعاضدي جهة ضامنة ؟ سؤال يتردد دائماً في عالم التأمين على اعتبار ان صناديق التعاضد لا يمكنها ان تكون من الجهات الضامنة كونها لا تتوخى الربح. ان هذا الإلتباس الذي يقع فيه كل من يسمع بهذا القول، يغفل بأن التعويض عن الضرر في التأمين لا يتوخى الربح، انما فقط تعويض يساوي الضرر الذي حصل للمتضرر.

 

ان الحكم موضوع التعليق، الصادر عن حضرة القاضي المنفرد المدني في كسروان الناظر في القضايا المالية، يشكّل احد الأحكام الفريدة والجريئة في آنٍ معاً. اولاً لكونه يعالج موضوعاً حياتياً انسانياً اجتماعياً اذ يتمحور حول وجوب او عدم وجوب شمول عقد تغطية صحية استشفائية لحالة طبية مُعضلة. ثانياً، كون العقد الصحي الإستشفائي، موضوع النزاع، صادر عن جهة ضامنة متمثلة بصندوق تعاضدي لا يبغي الربح وليس عن شركة تأمين.

 

قبل الغوص في التعليق على هذا الحكم، لا بد من الإشارة الى ان الحكم المعلّق عليه يتضّمن تعليلاً كافياً وشاملاً وصائباً جداً، إن لجهة النتيجة التي توصّل اليها، ام لجهة تحديد قانونية المستندات موضوع الدعوى، بالإضافة الى تحليل كل بند من بنود الشروط العامة للعقد الصحي الإستشفائي، الذي يعتبر من عقود الإذعان التي لا تقرأ عادةً. لكننا في المقابل، نرى انه كان لا بدّ من اثارة عدة نقاط، لها من الأهمية التي تفرض دراستها، وهي تلخّص بالنقاط التالية: 1-) التفريق بين طبيعة الصندوق التعاضدي كجهة ضامنة وبين طبيعة شركة التأمين، 2-) مفاعيل هذا التفريق على التغطية ومدى جواز استثناء حالات طبية.

 

 

 

 

 

1-) التفريق بين صندوق تعاضدي وشركة تأمين

 

ان الصندوق التعاضدي وفقاً لتعريف المادة الأولى من المرسوم الإشتراعي رقم 35/77 هو " جمعية اشخاص تبنى على الرغبة في التضامن والمساعدة المتبادلة ولا تتوخى الربح بل يكون موضوعها العمل لمصلحة اعضائها او عائلاتهم وبواسطة اشتراكات يدفعونها، لأجل تحقيق بعض او كل الأغراض التالية:

1.  التعويض عن نتائج الأحداث والأخطار التي تصيب الأعضاء او عائلاتهم سواء في شخصهم او في ملكهم او في استثماراتهم.

2.    التعويض عن الوفاة والمرض والحوادث الجسدية التي تصيبهم او تصيب عائلاتهم.

3.    مساعدة الأعضاء في حالات الزواج والولادة ونهاية الخدمة.

4.    تشجيع التعليم والتخصص في كل فروعه وتقديم المساعدات والمنح والقروض لهذه الغاية وذلك للأعضاء واولادهم فقط".

ولكون الصندوق التعاضدي يتألف من مجموعة اشخاص لا تبغي الربح، هدفها تحقيق غاية اجتماعية ما، فقد ميّزه المشترع بنفس الإعفاءات التي تتمتع بها التعاونيات. وكون صناديق التعاضد من الجهات الضامنة، فإن موضوعها يوجب عليها أن تكون مستقلة ولها ادارتها الذاتية.

 

في المقابل، ان شركة التأمين او شركة الضمان وفقاً للمادة الأولى من مرسوم تنظيم هيئات الضمان رقم 9812/68، هي تلك التي تزاول عمليات الضمان المحددة بأربعة فروع، نذكر منها بإيجاز ضمان الحياة، ضمان مخاطر الحريق والزلازل...، ضمان اخطار النقل، ضمان اضرار الحوادث والمسؤولية المدنية. ويتوجب على شركة التأمين ان تكون شركة مغفلة.

 

يكتسب التفريق بين الصندوق التعاضدي وشركة التأمين اهمية بالغة لناحية القانون الواجب التطبيق، فإن شركات التأمين خاضعة لأحكام الباب الأول من الكتاب العاشر من قانون الموجبات والعقود، في حين يخضع الصندوق التعاضدي لأحكام المرسوم الإشتراعي رقم 35/77 وهو نص خاص، هذا مع الإشارة الى تضمنه مادة تلغي الباب الثالث من قانون تنظيم هيئات الضمان المنفذ بالمرسوم رقم 9812/1968. لكن المفارقة الأهم تكمن في ان شركة التأمين هي شركة تجارية خاضعة لأحكام قانون التجارة تمارس اعمالاً تجارية وبالتالي تبغي الربح في حين ان الصندوق التعاضدي لا يبغي الربح.

 

ان بدايات العمل التعاضدي والتعاوني هي ابعد بكثير من العمل التأميني الذي جاء لاحقاً كي يقوم مكان صناديق التعاضد Les mutuelles، لكن المجتمع المدني عجز عن تنظيم نفسه من خلال التعاونيات وصناديق التعاضد. ان شركات التأمين بطابعها التجاري البحت هي متحركة وحرّة اكثر، وقد اعطاها المشرّع تقديمات تفضيلية عن صناديق التعاضد، خاصة بعدما عجز المجتمع المدني عن تنظيم نفسه وبعدما فشلت الدولة في توفير خدمات ضمان المخاطر. ان هذا الأمر ادّى، وبفضل الإمكانات المالية ونفوذ بعض اصحاب الرساميل، الى طغيان لا بل احتكار لبعض التسميات خاصة في البلدان النامية. فإذا قلت بوليصة تأمين مثلاً يفهم بأنها خاصة بشركة تأمين، واذا قلت تأمين فيفهم ايضاً نفس الشيء. انما في الواقع، يمكن ان يكون المرء مؤمن بموجب بوليصة تأمين سواء اكانت صادرة عن شركة تأمين او عن صندوق تعاضدي، او حتى يمكن للفرد ان يكون مؤمناً لدى جهات ضامنة اخرى رسمية كالتعاونيات او صندوق الضمان الإجتماعي او حتى لدى وزارة الصحة طالما يتحمّل المواطن نسبة 15 % من الفاتورة وهي النسبة التي لا تتحمّلها الدولة. ونوّد الإشارة هنا الى ان قانون التأمين الفرنسي قد خصصّ نوعاً خاصاً من شركات التأمين اسماها: شركات التأمين التعاضدي sociétés d'assurance mutuelles لعلّ المشرّع اللبناني يحزو حزوه.

 

بالعودة الى الحكم موضوع هذا التعليق، يتبيّن لنا، انه لم يتضمّن تفريقاً بالمطلق بين شركة تأمين وصندوق تعاضدي في حين ان المدعى عليه في الدعوى هو صندوق تعاضدي. وقد استندت كافة طلبات الجهة المدعية على بوليصة تأمين. اضافة الى ذلك، جاء في حيثيات الحكم المذكور تكراراً لمفردات خاصة بشركة التأمين، نذكر منها : بوليصة تأمين، المدعية المضمونة، بوليصة ضمان...، وكلها تعابير تخصّ شركة تأمين بالمطلق وفقاً للتشريع اللبناني وليس صندوقاً تعاضدياً، وذلك بالرغم من تضمّن الحكم المذكور عبارات صحيحة في احيان اخرى تعود بالفعل الى صناديق التعاضد. فكان بالحرّي، لا سيما في حيثيات الحكم، تحديد المفردات الصحيحة والمنطبقة على الواقع دون خلطها مع سواها، فعلى سبيل المثال: عقد انتساب او عقد تغطية صحية استشفائية بدل من بوليصة تأمين، منتسب الى الصندوق التعاضدي او عضو بدلاً من مضمون... ولكل من هذه التعابير اهمية ودلالات معيّنة، خاصة وانه يتوجب على قاضي الأساس ان يعطي الوقائع الوصف القانوني الصحيح دون التقيّد بالوصف المعطى من قبل فرقاء النزاع.

 

 

 

2-) مفاعيل التفريق على التغطية ومدى جواز استثناء لحالات طبية

 

لو خاض الحكم الحاضر في مسألة تحديد طبيعة الجهة الضامنة القانونية، لكان سيصل حكماً الى ضرورة وصف مندرجات التغطية التي تضمنها. ان الدعوى الحاضرة مقامة بوجه صندوق تعاضدي خاضع لعدة مبادئ ومفاهيم لا يستطيع الإبتعاد عنها، نذكر منها على سبيل المثال، مبدأ المساواة بين الأعضاء. فبالتالي، هل يجوز وضع استثناءات خاصة لأحد المنتسبين دون غيرهم؟

 

جاء في الصفحة العاشرة من الحكم موضوع التعليق، انه من حيث المبدأ، لا مانع قانوني يحول دون الأخذ بهذه الإستثناءات في المطلق طالما انها واردة بشكل واضح وصريح، وبالتالي لا ينطبق عليها وصف الخداع. فيكون الحكم الحاضر قد شرّع مسألة وضع استثناءات خاصة ضمن تغطية الصندوق التعاضدي بشرط ان تكون مكتوبة بشكل واضح وصريح يمكن لأي شخص يجيد القراءة ان يطّلع عليها ويفهم مضمونها لكي يعمل بها. لكن، في المقابل، هل ان مثل هذه الإستثناءات تخالف المبادئ العامة التي ترعى حقوق المنتسبين الى الصندوق التعاضدي، والذين يشكّلون بالتالي فعلياً الصندوق كونه جمعية اشخاص؟ وهو الأمر الذي لم يعالجه الحكم المذكور.

 

اننا نرى ان مثل هذه الإستثناءات في صندوق تعاضدي ممكنة، صحيحة وقائمة طالما ان ارادة جماعة المنتسبين المنتفعين من التغطية قد ارادوا تطبيقها، فيكون انتسابهم الى هذه الجمعية على هذه الأسس الواضحة والموافق عليها مسبقاً، ويكون بالتالي قسط الإشتراك المحدد ملازماً لهذه الواقعة. ان الحكم الحاضر قد توصّل الى نفس النتيجة ولكن دون التنبه لمسألة الطبيعة القانونية للجهة الضامنة المدعى عليها. هذا بالإضافة الى ان الإستثناءات الموضوعة جاءت محددة زمنياً بسنة او اكثر ويمكن ان تكون بعدها محصورة بحدود مالية معيّنة كما يمكن ان تزول بعد مرور مدة زمنية معيّنة. ويجد هذا التحليل سنداً له في مبدأ الأقدمية: فوضع استثناءات خاصة تمنع بعض المصابين، على وجه الخصوص، من الإنتفاع من تقديمات الصندوق هو امر سيفيد حتماً جماعة المنتسبين. ومرده الخشية من ان تذهب التغطية المالية كلها، المتوافرة في الصندوق، على حالة مرضية مستعصية ضمن السنة الأولى لإنتساب العضو، في حين يوجد اعضاء آخرين، لهم في الصندوق فترة زمنية تكون قد تعدّت العشر سنوات، يكونون قد تضرروا حتماً من هكذا تغطية، سيما وكونهم يدفعون اقساط اشتراكاتهم السنوية منذ ذلك الحين. فيكون بالتالي على المنتسبين الجدد التعاضد مع المنتسبين الأقدم كل بنسبة اقدمية انتسابهم.

 

وقد تضمّن الحكم المذكور حيثية مهمة جداً، تتصل بما ادلت به الجهة المدعية حين اعتبرت: ان عدم تغطيتها من قبل الصندوق قد فوت عليها فرصة الإستحصال على تغطية اكمل واشمل فيما لو تعاقدت مع شركة تأمين أخرى. واعتبر الحكم في الصفحة 13 منه ان هذه الواقعة " ... بقيت مجرّدة بدورها من اي بيّنة على صحتها، فتكون بدورها مستوجبة الرّد لعدم الثبوت". في الواقع، ان الإنتساب الى صندوق تعاضدي هو مشاركة، يقوم بها طالب الإنتساب، تكون غايتها تحقيق مشروع معيّن لمصلحة المجموعة. لا يمكن الإنتساب الى صندوق تعاضدي لتحقيق اهداف او غايات شخصية مستقلة. فالصندوق التعاضدي هو مشروع اجتماعي اقتصادي يرمي الى حلّ مشكلة مُعضلة في مجتمع معيّن "Un projet socio-économique" كحلّ مشكلة الإستشفاء مثلاً. ان تفويت الفرصة يكون في عملية تجارية معيّنة او في مجال الأعمال بشكل عام... اننا ننوّه بالحكم المعلّق عليه لمعالجته موضوعاً اشكالياً مهماً جداً، لا سيما وانه وصل الى نفس النتائج التي توصلنا اليها لكن من غير زاوية قانونية. لكننا نعتبر انه كان على المحكمة الخوض في مسألة الوصف القانوني الصحيح للجهة المدعى عليها، تطبيقاً لنص المادة 370 من قانون اصول المحاكمات المدنية، ولما قد ينتج عن ذلك الوصف من مفاعيل قانونية مهمة.

 

في الخلاصة، ان الجهات الضامنة جميعها وعلى رأسها الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي، الذي يشكّل اكبر صندوق تعاضدي، كما وشركات التأمين مجتمعة لا تكفي كلها لحلّ مُعضلة الإستشفاء في لبنان وجميعها ضرورية وان اعطى المشترع اللبناني بعض التفضيلات الى شركات التأمين، فقد عادلها بصناديق التعاضد لكونها مؤشر اسعار وضابط للسعر Indices de prix، ونحن في ظلّ نظام اقتصادي حرّ. يبقى ان نلفت الى ان هدف صناديق التعاضد هو اقتصادي اجتماعي يسعى المجتمع الدولي الجديد للوصول اليه عن طريق ايجاد نظام اقتصادي ليبرالي، لكنه يحتاج الى ضوابط اجتماعية لدرء مخاطر الرأسمالية المتوحشة التي تستند على مبدأ "too big to fail". ان صناديق التعاضد التي لا تتوخى الربح تدفع الفاتورة الإستشفائية مثلها مثل كافة الجهات الضامنة وهي تبقى حلاً اكيداً للمشكلات الكبرى التي هي الإستشفاء والسكن والتعليم والشيخوخة التي لا يمكن مواجهتها الا عن طريق الدولة وحدها. وهذا يفسّر الى حدّ بعيد اسباب الهجرة عند الشباب والكبار ايضاً الى بلاد توفر فيها الدولة هذه التقديمات.

صحيح ان العمل التعاضدي المنظّم غير معروف في لبنان، لكن الشعور والإحساس بالعمل التعاضدي له وقع ايجابي لدى اللبنانيين وهو يتمثّل بأول خليّة تعاضدية وهي العائلة التي تشكّل اول ركيزة اقتصادية اجتماعية وسياسية في لبنان. ونعتبر اخيراً ان على طاولة الإقتصاد اللبناني ان تتوسع لتشمل بالإضافة الى التجّار ورجال المال والأعمال والتأمين والصناعيين، القطاع التعاضدي علّه نقوّي اقتصادننا اكثر ونحميه ونحمي انفسنا من تلك الويلات التي عصفت في عالم المال اليوم.